(6)
يُنسَب إلى النبي الكريم أنه قال "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
وأنا أفهم أن أستعين بالكتمان وأنا عازمٌ على الحرب مثلا؛ كي لا يعرف العدو، أو أستعين به وأنا أشتري بيتًا جديدًا؛ كي لا يفسد عليّ مشترٍ آخر حاجتي... إلى مثل ذلك من الأمور التي تستوجب الكتمانَ لقضائها.. لكن هل يُعقَل أن أستعين بالكتمان وأنا أنشر كتابًا؟ هل أستعين به وأنا مسافر بعد غدٍ لندوة في أسوان مثلا؟
تعالوا نلاحِظ شيئًا في مسألة سفر الأدباء والمثقفين وترشيحهم للمشاركة في مهرجانات ومؤتمرات خارج مصر، ما يحدث أننا - كرأيٍ عام متابِع – نفاجأ بصور فلان أو علان وهو في تونس مثلا، أو وهو في الصين، يعلن عن وجودِه وحضوره!
متى يا عم تم ترشيحك؟ متى تم سفرك؟ طيّب ما قلتش ليه قبل ما تسافر؟ ألم نكُ جالسيْن معًا أمس؟ ألم نتحدث عبر الهاتف منذ يومين؟!
شيء غريب ومدهش جدًا، لكنه تقليد متبع دائمًا، ولا يمكن أن يكون صدفة... فهل الكتمان هنا مطلوب؟ هل الإعلان عن ترشيحك وسفرك سبّة أو فضيحة أو جريمة؟!
أم هو الخوف من الحسد يا زعيم؟!
إنّ محاولة معرفة سبب التكتم والإخفاء، يكشف بجلاءٍ عن أن هناك أشياء لا يجب أن يعلم بها أحد، إلا بعد وقوع الفاس في الراس... مش ناقصين وجع دماغ، هي دي فعلا... "وجع الدماغ"... الأمر الذي يشير إلى إحساسٍ ما غامضٍ أن هناك شيئًا، ما كان ينبغي له أن يحدث في الظروف العادية والطبيعية، لأنه لو كانت الظروف عادية وطبيعية لانتفَت أهمية التكتم والإخفاء وخطرهما.
وأنا – وهنا لا أعوذ بالله مِن كلمة أنا – وقعتُ في الفخ والشَّرَك (الشَّرَك غير الشِّرْك) لأنني مغفل وساذج في المرتين اللتين تم ترشيحي فيهما للسفر، لأنني تصرفتُ تصرفًا طبيعيًا جدًا، إذ أعلنتً على الفيس بوك، قبل سفري، ترشيحي.. هل هذه جريمة يا ناس؟
وفي المرتين عاتبني مسؤولٌ من هنا، ومسؤولٌ من هناك (مِن الجهتين اللتين رشحتاني) على إعلاني! وأعربا عن استيائهما مما فعلتُ!
هنا فقط – منذ خمس سنوات تقريبًا – بدأت ألتفِت إلى أن هناك شيئًا غير نظيف، رائحة ليست طيبة، ربما كانت في ترشيحي، ربما كانت في الظروف التي لم أظن وقتها أنها غير طبيعية... وظللت أتساءل بيني ونفسي أليس الترشيح حقًا لي؟ أليس قانونيًا يخضع للوائح وقوانين؟
المشكلة هنا أن طلب الكتمان يأتيك من الجهة التي ترشحك، وبالعقل والمنطق لو كانت الجهة تدرك أنها تمارس عملَها ودورَها بحيدةٍ وموضوعية، بنزاهةٍ وشرف، لَمَا طلبت ذلك أبدًا، بل لأعلنت هي قبْلي عن ترشيحي... لكنها لا تفعل ذلك، وإذا قيل إن الجهاتِ المرشِّحة لا تطلب ذلك (الآن) أقول نعم، لعلها (الآن) لا تفعل؛ لأن ذلك المشار إليه أصبح عُرفًا وتقليدًا عامًا عرَفه وأدركه الجميع، فباتوا أكثر حرصًا على إخفاء الكتمان، مردّدين وهُم يتلقون خبر ترشيحهم: صَدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم!
أشرف البولاقي
تعليقات
إرسال تعليق