مستقبل ثقافة مصر 2021 بين عمرو الشيخ وأشرف البولاقي (1)
رأي عمرو الشيخ
أصدر طه حسين كتابه( مستقبل الثقافة في مصر) سنة 1938 عقب معاهدة 36 بعامين وقبيل اشتعال الحرب العالمية الثانية بقرابة العام، وفي ظلِّ احتلال معظم بلدان الوطن العربيّ، ومعظم دول أفريقيا.
طه حسين قسّم كتابه ليعرض قضيتين:
وفي القسم الثاني تناول طه حسين مشكلات التعليم، وذهب إلى أنّ من مقاصد كتابه أن يجيب أسئلة الشباب الجامعيّ- وقتها- عن الهُوية، والحديث عن ثقافة المتعلّم الجامعيّ فليس الأمر مرهونًا بمجرّد الاكتفاء بالحصول على الشهادة.
طه حسين في كتابه حاول التفريق بين عربية اللسان المصري المعاصر من جهة وعربية الانتماء إذ مال إلى كون مصر تنتمي إلى حضارة المتوسط جغرافيًّا، وحضارتها الفرعونية القديمة عقليًّا، ورغم إيمانه بقيمة الميراث الأدبيّ العربيّ الذي صار لنا فيه نصيبٌ عبر لساننا فقط، إلا أنه كان يرى أن انتماءنا الراهن حينها والمستقبليّ أقرب إلى الحضارة الأوروبية.
الكتاب صدر في توقيت ظنّه طه حسين حينها أنه توقيت حصول مصر على استقلالها، وصدور دستور دائم لها، ولا أدري موقفه من دستور 23.
وإن كان للعميد عذره وقتها أنْ ظنّ ذلك استقلالا حقيقيًّا ومن ثَمَّ أسّس بعض ما ذهب إليه في كتابه على ذلك الظن، فلا أعرف كيف لم تتغير نظرته تلك بعد؟ سواء قبل 1952 أو بعدها!
شخصيًّا كنتُ، ولم أزل أقف معجبًا بعنوان الكتاب وبخاصة تحديده بكلمة" مصر" فلم يقل مثلا:
مستقبل الثقافة في الوطن العربي، ولا مستقبل الثقافة في أفريقيا.
كعادتي، لم أنضم إلى فريق المبالغين الذين يرون في الكتاب( سفرًا) خالدًا استثنائيًّا، وأنّه العلاج التام لكل مشكلات الراهن الثقافيّ، وكذلك لم أنضم إلى فريق المبالغين الذين يرون في الكتاب( صفرًا) جديدًا يُضاف- حسب توهماتهم الأصوليّة- إلى رصيد طه حسين عميل المستشرقين المنادي بالحرية والعلمانية والليبرالية جهارًا نهارًا في كتابه.
الكتاب دائما كنت أنظر إليه كنظرتي إلى أفلام السينما التي أنتجت مثلا في الخمسينيات التي كانت تحاول أن تتخيّل حينها شكل الحياة سنة 2000، دائما كنت أحب أن أقارن بين تخيّلات فناني الخمسينيات للمستقبل، وبين الواقع الذي حدث بالفعل..
الكتاب منذ فترة يحرّض فيّ عدّة تساؤلات:
ما مفهوم الثقافة؟
ما ماضيها في مصر؟
ما مستقبلها الذي تصوره طه حسين؟ وهل تحقق ذلك المستقبل إذ صار واقعًا فماضيا بالنسبة لنا الآن؟..
ما مفهوم مصر تحديدا؟ وهل يحتاج هذا المفهوم إلى تحرير موضوعي غير متشنّج، وغير نابع من أيديولوچيا، وغير موجه كفوهة مدفع إلى أيديولوچيا أخرى؟!
هل مفاهيم القراءة، الإبداع، الثقافة شيء واحد؟ أم أضلاع مثلث؟
هل ثمة فارق أو فوارق بين القارئ والمثقف والمبدع وال..
لا أود أن أقول المواطن العادي كي لا أنزلق مع أسراب المنزلقين في أنبوب مصطلح النخبة الاستعلائي الكئيب الضيق، وكي لا أنزع عن المواطن العاديّ صفة الثقافة بعد أن يتاح إليّ- إذا أراد الله- أن أحرر مصطلح الثقافة من وجهة نظري ومفاهيمه.
ربما تكمن صعوبة ما أواجهه عند كتابة تلك السلسلة في أمرين:
الأول:
... مظنة المقارنة مع طه حسين ولستُ إلا تلميذًا صغيرًا عابرًا تستوقفه دوائر العميد اللامتناهية من أحجاره التي كان يلقيها في كل مياه راكدة..
الثاني:
... أن الوقت غير الوقت
يكفي أن الأستاذ العميد أتاح له زمنه أن ينشغل بمستقبل الثقافة في مصر، في حين أن جيلنا يحاول أن ينشغل بأبسط أسباب العيش في لحظته الراهنة ثم لو تيسّر له من بين لهاث الأنفاس وقت فإنه قد ينشغل بالمستقبل..المستقبل فحسب..
الصعوبة يا صديقي القارئ أن صارت الثقافة وأحاديثها ضربا من ضروب الرفاهية..إلى هذا آلت الأمور وأتيح لقوى متعددة أن تمهّد إليها سبل الوصول إلى العقل المصري.
رد أشرف البولاقي
مستقبل ثقافة مصر2021نَعم، أملَى طه حسين كتابَه "مستقبل الثقافة في مصر"، سنة 1938م، وقال نصًا في مقدمة كتابِه: "وقد شعرت كما شعر غيري من المصريين، وكما شعر الشباب من المصريين خاصة- وإنْ باعدت السن بينهم وبيني- بأن مصر تبدأ عهدًا جديدًا من حياتها، إنْ كسبت فيه بعض الحقوق، فإنّ عليها أن تنهض فيه بواجباتٍ خطيرة وتبعات ثقال."
وكان يشير إلى معاهدة 1936م التي اعترفت باستقلال مصر مبدئيًا أو ظاهريًا، وقد أهدى الكتابَ إلى شباب مصر تحديدًا دون غيرهم، وأطال في مقدمته الحديثَ عنهم.
والكتابُ، كما أشار الصديق الأستاذ عمرو الشيخ، يتحدث عن هوية مصر، وعن التعليم.
ولا أظن أن الصديق يريد أن يعرض للكتاب، وإنْ كان مِن الممكن أنه يريد أن يعرض لبعض الأفكار فيه، ومن المرجّح عندي أنه يريد أن ينطلق منه إلى الواقع الثقافي المصري المعاصر.
لكنّ الملاحظة المهمة هنا، أن تاريخنا المعاصر قد شهد لحظة كتلك التي شهدها العميد، لحظةَ تغييرٍ كبرى، دَفعته دفعًا بوعيه الحاد وثقافته العالية، أن يستشعر أن التغيير الحقيقي ليس تغييرًا سياسيًا فقط، "وأن الحرية والاستقلال ليسا غايةً تقصد إليهما الشعوب وتسعى إليهما الأمم، وإنما هما وسيلة إلى أغراضٍ أرقى منهما وأبقى، وأشمل فائدة وأعم نفعًا."
أمّا اللحظة التي أعنيها أنا الآن والتي أظنها تشبِه لحظةَ إملاء طه حسين كتابَه، فهي لحظة ما بعد ثورة يناير، فمثلما لم تكن معاهدة 1936 استقلالاً تامًا، لم تكن ثورة يناير تغييرًا كاملاً، لكنها كانت كنظيرتها بادرةً لحاضر ومستقبل يمكن الرهان عليهما.
بغضّ النظر الآن عن الأسباب الحقيقية والدوافع وراء ما حدث في 2011، لأننا معترِفون أن نظامًا سياسيًا قد سَقط لأول مرة بإراة شعب، ومن ثم كانت آمال المصريين جميعًا دون استثناء، وأشواقهم، عاليةً إلى درجة الحُلم بحاضرٍ ومستقبلٍ جديدين ومختلفين، ورغم أن المجال العام وقتَها كان كله مشغولاً بالحديث عن السياسة، إلا أن كتاباتٍ كثيرة خرجت تتحدث عن الوعي الجديد، والثقافة الجديدة، والتعليم الجديد، لكن أحدًا وقتَها لم يتحدث – فيما أظن – عن هويةٍ جديدة لمصر والمصريين!
وبعد مرور أكثر مِن عشر سنوات على ثورة يناير، يستيقظ المصريون على الوهم الكبير، وعلى محاولاتٍ دؤوبة تؤكد وتثبت بكل الطرق والوسائل أن ثورة يناير كانت خرابًا على مصر، وأنها كانت مؤامرة، وأنها كانت افتكاسة، و.. و.. إلخ.
وإذا كانت ثمة صعوبات، أشار إليها الصديق في معرض كتابتِه، فأظن أن أول صعوبةٍ تواجِهنا نحن معه، ونحن ننتظر ما سيتفضل به، هي توقيت اختيارِه الآن للكتابة عن مصر، والثقافة، وحالةِ المصريين- المَعنيين بخطابِه- الاقتصادية والاجتماعية والعقلية؛ لأنه لن ينكر أن مرور عشر سنوات مِن اليأس والإحباط، يجعل الفارق كبيرًا، ليس فقط في حماس التلقي والتفاعل مع ما يمكن أن يطرحه، ولكن أيضًا مع قدرة الطرح على مناسبة الظرف الآني، في ظل تعقيدات الميديا، وثقافة الاستهلاك العالمية، وتوترات الوضع الاجتماعي واحتقاناته في مصر، وانخفاض مستويات التعليم إلى درجاتٍ غير مسبوقة!
ولن ننسى هنا التحدي الأكبر المتمثل في الثقافة العامة التي كان لها أن تستقبل طرح طه حسين بانتماء مصر إلى ثقافة البحر المتوسط، بالتفكير والنقاش، وبين ثقافةٍ عامة سائدة الآن تعيش هوية دينية وهّابية سلفية فول وطعمية!
ولعله – الصديق عمرو - إنْ نظر إلى حالة المصريين إبّان طرح العميد لأفكاره، وحالتَهم الآن، فسيدرك تمامًا أن مهمته ثقيلة جدًا.
لكن هذا لن يمنعنا– أو لن يمنعني أنا كمتابِع- أن أنتظر ما يتفضل به من طرح، ومهما يكن يأسي أو إحباطي من الحاضر والمستقبل، فلعل هناك أملاً أخطئ في استبصارِه.
تعليقات
إرسال تعليق