
الدكتور وائل النجمي يكتب :
حسن شاكوش ومحمد رمضان وسعادة المصريين والهدف من الحياة
على أحد المقاهي بوسط البلد بالقاهرة كنت أقرأ كتاباً لأحد المفكرين المعاصرين، وشعرت باندماج شديد، وسعادة عقلية كبيرة، انسابت على إثرها بعض النغمات من بعيد لأم كلثوم، أنت فين والحب فين، بعد دقائق تحول لإذاعة القرآن الكريم، كانت بصوت محمد عبد الباري محمد، وروائح القهوة والشاي بالنعناع تنساب للأنف من هنا وهناك، ثم فجأة، بدا كل شيء يتعكر، أحدهم صاح بصوت مرتفع، يعني هما حيدوني طيارة زي محمد رمضان، ولا حركب لامبورجيني زي حسن شاكوش. فورا انتبهت للمعضلة التي يعيشها الكثيرون الآن ، إنه في مهنة ما قد يكون دخلها قليلاً أو كثيراً، لكنه لا يشعر بالسعادة لأنه لا يعيش كما يعيش محمد رمضان، ولا كما يعيش حسن شاكوش، صار نموذج السعادة ليس ما تشعر به أو تحققه للمجتمع أو تفيد به نفسك والآخرين، أو احترامك لذاتك أو تقدير الناس لك، وإنما صارت المعادلة محصورة في أن السعادة = حياة محمد رمضان= حياة حسن شاكوش.ارتشفت قليلا من البن الفاخر الذي أرجح أنه بن عبد المعبود لقرب المقهى من أشهر فروعه، وعاودتني السعادة من جديد، ربما لم يكن في جيبي سوى مائتين جنيه أو أقل، وتذكرة العودة، لكنني كنت سعيدا، التقيت أحبة بالقاهرة، وتعلمت الكثير، وقابلني أهلي وأخوتي وأحبائي بمدينتي الأم بكم من التهاني والمباركات لحصولي على الدكتوراة بما لم أتوقعه، ترى، من منا الأكثر سعادة في هذه اللحظة: أنا، أم محمد رمضان، وحسن شاكوش؟
السعادة مفهوم نسبي، تصنعه أنت بنفسك، فقد تكون صاحب دخل متوسط لكن البسمة لا تفارقك، وتشعر بالرضى، وقد تكون في أعلى المناصب لكنك لم تحقق دخل شاكوش فلن ترضى عن نفسك، وتستمر طوال عمرك شاعرا بالبؤس والنكد والهم والغم وأنك لا تساوي في حياتك شيئا، ولا تشعر بقيمة ما معك.
لكن سؤال السعادة يطرح قضايا كبرى، مثل: لماذا نحن موجودن على سطح الأرض؟ ما الهدف من الحياة؟ هل الهدف تحصيل أكبر قدر من المال ثم نموت ونتركه لآخرين؟ أم تحصيل أكبر قدر ممكن من الشهوات والمتع؟ أن يعرف الرجل مثلا 100 أو 200 أو ألف امرأة؟ وأن تُحب المرأة مثلا 1000 رجل؟ أن نحصل على جوائز وتقديرات؟ ما الهدف من الحياة؟ كانت الملاحظة التي توصلت إليها أن سعادة كل إنسان مقرونة بنظرته ورؤيته وفلسفته حول الهدف من الحياة، ولا تستغرب كلمة فلسفة، فلكل منا فلسفة حتى لو كان لا يعرف كيفية كتابة كلمة philosophy بشكل صحيح.