معايير ترشيح الأدباء والمثقفين وسفرهم للخارج ، يكتب عنها الشاعر والمفكر أشرف البولاقي سلسلة مقالات
(4)
هل يعلم السادة الأشاوس المغاوير رؤساءُ الجهات والهيئات المشار إليها، والمنوط بهم ترشيح الأدباء والمثقفين للمشاركة في مهرجات الخارج ومؤتمراتها، بما يقال ويتردد في الوسط الأدبي والثقافي عن معايير الترشيح؟
إنْ كانوا يعلمون فتلك مصيبةٌ، وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبةُ أعظمُ!
لا يدفع عِلمهم أو جهلهم ، أن يقال "دعهم يقولوا، فما أكثرَ ما يقال!"، ولا حتى قولهم "الكلاب تعوي والقافلة ترشّح!"؛ وذلك لأن صمتهم وتجاهلهم يؤكد أن شيئًا مما يقال يبدو صحيحًا!تعالوا أولا نتفق على أن هناك فئاتٍ معينةً ممن يتم سفرها للخارج، لا تقع في سياق طرحنا وتساؤلنا، وهي فئات لا ينطبق عليها لفظ "الترشيح"، وهي تلك الفئات التي تسافر بحكم وظيفتها أو منصبها، وهي في سفرها تخضع هنا للوائح أو البروتوكول، كـ سفر رئيس هيئة مثلا، أو رئيس نقابة اتحاد الكتّاب ومَن على شاكلتهما.
وهناك آخرون ممن يتم ترشيحهم، لا غبار عليهم أيضًا، فهُم كبار وحقيقيون، ولهم منجز وتاريخ، وقادرون على تمثيل مصر تمثيلا مشرفًا، لكن الغبار الوحيد الذي يثار حولهم هو تكرار ترشيحهم بشكلٍ لافتٍ للنظر، دون وجود أي مبررات موضوعية متعلقة بطبيعة المهرجان أو المؤتمر.
لكننا هنا معنيون بالعامة والدهماء الذين كل منجزهم في الحياة أنهم يمارسون الكتابة، كـ أشرف البولاقي، وعبيد عباس، وعمرو الشيخ، ومصطفى البلكي، وآلاف غيرهم في كل محافظات مصر.
أول ما يقال ويتردد بشدة، هو أنك إذا أردتَ أن تسافر، فعليك أن تكون مقربًا من المسؤول، لكنه ليس هذا القرب الذي يعني مجرد معرفتِه، ولا حتى مجرد صداقتِه، لكنه قربٌ يتجاوز ذلك إلى درجة الدفاع عنه، والكتابة عن منجزه، والثناء على وظيفته وأدائه، ولا بأس هنا بإهدائه بين وقتٍ وآخر، فالنبي قِبِل الهدية، والأصدقاء يهادي بعضُهم بعضًا...
وحبذا مساحة تعريصٍ لطيفة، لكن إياك أن تكون، أو يظهر عليك، أنك حقيقي قوي، أو أنك تَقبَل أو لا تَقبل، كن أديبًا، كن مثقفًا، كن كما تشاء، لكنك في النهاية أقل وأصغر مِن أن يكون لك رأي، أو موقف.
ولقد أعرف مِن أصدقائي مَن هُم أصدقاء مقرّبون لهؤلاء المسؤولين، مقرّبون جدًا، يضحكون معًا، ويتزاورون، ولكل منهم دالةٌ على الآخر، وبينهم ذكريات وتاريخ مشترك، لكنهم – أصدقائي – يفتقِدون مساحة التعريص اللطيفة تلك، كما أنهم مِن هؤلاء الذين يمكن أن يقولوا (لا) طبيعية وعادية، يستشعرون – لبؤسِهم وسوء حظهم – شيئًا من كرامةٍ في نفوسِهم، ومن ثم فهُم على شدة علاقاتهم تلك وقوّتها لم يتم ترشيحهم ولو مرةً واحدة في العمر، رغم منجزهم التاريخي الأدبي والثقافي والإبداعي!
(وليس معنى هذا أن كل مَن تم ترشيحهم كذلك، لكن عددًا منهم هو كذلك بالفعل)
ومما يقال ويتردد أيضًا، أنه ليس عليك إلا أن تشنّ حملة على السادة المسؤولين عن الأمر، يمكنك أن تتهِمهم بالفساد، يمكنك أن تعرّض بهم، يمكنك أن تهددهم بفضح المستتر، اكتب مقالين أو ثلاثة على صفحتك، أو في جريدة، أو في موقع، المهم أن يكون الهجوم كتابةً ذكية وماكرة، وهي مهمة ليست سهلة بالمناسبة؛ لأنها تحتاج إلى مكرٍ ودهاء، وادّعاء حيدةٍ وموضوعية (يمكن الظن أنها مثلما أفعل أنا الآن! والتأكيد على ذلك أنني سَبق لي أن تم ترشيحي مرتين كما سبق أن أشرتُ من قبل).
طبعًا بسهولةٍ وبساطة، يمكن دفع هذا الكلام وإنكاره تمامًا، بل يمكن الابتسام سخريةً منه، لكن المأساة أن الواقع يؤكد مثل هذا القول، وكل ما علينا أن نمتلك قوةَ رصد وذاكرةً جيدة؛ لنستدعي عددًا من حملات بعض المثقفين على صفحات التواصل، أو على صفحات بعض الصحف أو المجلات، مع استدعاء كتّابها، لنلاحظ أن مَن فعلوا ذلك تم ترشيحهم بالفعل!
وهذه الآلية ليست مقصورة على إخضاع المسؤولين وتحقيق رغبة أصحاب الحملات في السفر خارج مصر، بل إن الترضية يمكن أن تكون شيئًا آخر، كتعيين في لجنة، أو منح جائزة، أو تكليف بمسؤولية تحرير مطبوعة، وما إلى ذلك ... وليس الأمر بحاجةٍ إلى قسَمٍ غليظ أن هذا يحدث عيانًا بيانًا أمام أعيننا جميعًا!
أشرف البولاقي إقرأ أيضاً للكاتب أشرف البولاقي :
تعليقات
إرسال تعليق