معايير ترشيح الأدباء والمثقفين وسفرهم للخارج ، يكتب عنها الشاعر والمفكر أشرف البولاقي
سلسلة مقالات
(5)
مما يقال ويتردد أيضًا حول آليات ترشيح سفر الأدباء والمثقفين خارج مصر، بعيدًا عن أي معاييرَ موضوعيةٍ متعلقة بالتمثيل المشرف المستحق، آلية الضغط...
والحق أنها آلية غير متاحة إلا للمعروفين المتحققين، بمعنى أن مَن يمارس تلك الآلية يجب أن يكون كاتبًا معروفًا ومشهودًا له، وليس مجرد عضو بنادي أدب، ولا مجرد كاتب هاوٍ لا يعرفه إلا أهله وأصدقاؤه في محيطه... ومن المؤسف أن هذه الآلية ليست مما يقال ويتردد فقط، لكنّ وقائع وأحداثًا وتفاصيلَ بعينها تشير إليها وتؤكدها فيما نعيشه ونراه بأعيننا.
وتنتج آلية الضغط هذه ثمرتَها عند صاحبها إذا كان مِن المقيمين خارج العاصمة، كأن يكون أديبًا مِن إحدى محافظات مصر، حيث تبدأ الآلية بضرورة استقبال المسؤول حال زيارته للمحافظة، والمقصودُ باستقباله هنا ليس الاستقبالَ الرسمي، لكن المقصود جلسات ما بعد الاستقبال الرسمي، كالسهر والسمر مساء، كدعوات الغداء والعشاء، كصحبتِه لزيارة معالم المدينة، والتقاطِ الصور ونشرها على مواقع التواصل، مع كتابة كلمات الاحتفاء التقليدية، مع توديعِه – توديع المسؤول - على محطة القطار أو قريبًا من المطار، بإهدائه هدية تذكارية، ولو قُدّر لي أن أذكر لك عيناتٍ مِن تلك الهدايا لصُعِقتَ مما يعتبره المسؤول مِن أهل القاهرة كنزًا، بينما هو في تلك المحافظات ليست شيئًا!
(يعني القيام معه بواجب الضيافة، مع ملاحظة أن أحدًا لن يستطيع فتخ فمِه بكلمة أمام مفهوم واجب الضيافة هذا الذي يتمتع به كثير من أهالي محافظات مصر!)
بعد هذه الخطوة، تبدأ آلية الضغط في ممارسة نشاطها وفعاليتها، التي يبدو ظاهرها المحبة والود، في لقاءٍ عابر، أو اتصالٍ هاتفي، (الحق أن أقول في لقاءات عابرة، واتصالات هاتفية) بجُمَل وعبارات من قبيل، "يعني الناس كلها بتسافر ... امتى بقا ييجي علينا الدور؟"، أو "متنسناش والنبي يا دكتور زينا زي غيرنا"، مرة بمزاح وضحك، ومرة بجِد، المهم أن يتكرر هذا الضغط كثيرًا، ليتحول إلى شيئين، الأول: صداع في رأس المسؤول، والآخر: إحساس بالحرج، فالسائل قام معه بواجب الضيافة!
وهذه الآلية – آلية الضغط - ليست مقصورة ثمارها فقط على موضوع السفر والترشيح، لكنها تعمل وتؤثر فيما هو أكبر من ذلك، (ولك أنت أن تتخيل ما هو أكبر من ذلك مِن مِنَح الدولة وعطاياها) يحدث هذا ونراه ونسمع به، ونصمت.. وليس معنى صمتِنا أننا غير مدركين لِما يحدث، بل معناه أننا مدرِكون جيدًا، لكن الحرج يمنعنا أن نواجه أصدقاءنا بما يصنعون، وأصدقاؤنا هنا إنْ لم يكونوا الضاغطين الممارسين، فهُم المضغوط عليهم!
وأقسِم بالله العظيم إنني استمعت إلى كاتبٍ كبير ومعروف، يحدّث مسؤولا أمامي عبر الهاتف، ويقول له بعنفٍ وبشدة "لا .. أنا استنيت كتير، والوضع كده عيب ومينفعش".. فلمّا عاتبته على ذلك، قال لي: "اسكت انت.. دول ما يجوش إلا بكده!"
فهل صحيح أيها المسؤولون أنكم ما بتجوش إلا بكده؟!
أشك كثيرًا، لأنني أعلم أنكم بتيجوا بأشياءَ وآلياتٍ أخرى!
أشرف البولاقي إقرأ أيضاً للكاتب أشرف البولاقي :
تعليقات
إرسال تعليق